بيتهوفن: كيف فقد الموسيقار سمعه وما الأمراض التي كان يعاني منها؟
على الرغم من أن الشائع على نطاق واسع أن الموسيقار لودفيغ فان بيتهوفن كان يعاني من فقدان حاسة السمع، لكن قلة من الناس يعرفون كيف أثر ذلك عليه وما الأسباب المحتملة التي أدت به إلى هذه الحالة، وحقيقة أنه كان يعاني من عدد من الأمراض المزعجة الأخرى أيضا.
ووفق تقرير نشره موقع “بي بي سي”، فإنه في الواقع كان لدى بيتهوفن قائمة تتألف من 14 طبيبا يحاولون مساعدته في التغلب على أمراضه المتعددة.
وبعد 250 عام على ميلاد الموسيقار الكبير، استعان برنامج “تشريح بيتهوفن” في راديو بي بي سي بمجموعة من الأطباء. وقامت الإعلامية جورجيا مان وجراح الأعصاب البارز هنري ماش بالعودة إلى الماضي في محاولة لحل لغز المشكلات الصحية الكثيرة التي كان يعاني منها وكيف أثرت عليه وعلى موسيقاه.
وبدءا من النهاية، نظرت جورجيا وهنري إلى تقرير تشريح جثة بتهوفن الذي أجراه الدكتور يوهانس فاغنر في فينا بعد يوم من وفاته، في الـ 27 من مارس 1827. ويقدم التقرير صورة معتمة، إذ يقول فاغنر فيه إنه كان قادرا على “تمرير ريشة أوزة في قناة الإفرازات في بنكرياس بيتهوفن” في دلالة على التوسع الحاصل فيه.
كما يصف بطن بتهوفن بأنها كانت “منتفخة وممتلئة بالسوائل”. ويشخص هنري ذلك بأنها حالة “استسقاء بطني” وهي إحدى المضاعفات الرئيسية للإصابة بتشمع الكبد، وتكشف عن أن كبد بيتهوفن (الذي انتهى إلى أن يكون أقل من نصف حجمه الطبيعي، وكان صلبا كالجلد وذا لون أخضر مزرق)، وقد كان بيتهوفن في الأشهر الاخيرة من حياته يلجأ الى حلاق/جراح ليقوم بعملية بزل السوائل من بطنه.
اكتئاب وابتهاج
بدأ فقدان السمع لدى بيتهوفن نحو عام 1795، وبدأت حالته تسوء تدريجيا، وقد تفاقمت حالته جراء إصابته بطنين في إذنية، وقد لوحظ توسع العصب السمعي لديه خلال عملية تشريح جثته.
ويوضح رئيس مركز بيتهوفن السابق في جامعة سان خوسيه بكاليفورنيا، ويليام ميرديث أن بيتهوفن بدأ يعاني من مشاكل في البطن وحمى وصداع في الفترة نفسها التي عانى فيها من مشاكل في السمع، وقد تواصل ذلك طوال حياته. وقد سجلت أيضا إصابته بمرض في الكبد ونوبتين من مرض اليرقان في عام 1821 وعام 1825، فضلا عن فشل كلوي.
وليس مفاجئا أن يعاني بيتهوفن من الكآبة، وقد شخصت في النهاية إصابته بمتلازمة الاضطراب النفسي ثنائي القطب (اي تنتابه نوبات اكتئاب وابتهاج شديد) أو ما يعرف “بنقص الانتباه وفرط النشاط” (ADHD ).
يقول ميرديث “قال اثنان من أصدقاء بيتهوفن إنه وسواسي، ولكن لاحقا عندما فحصت قائمة الأعراض، كنت، على الرغم من أنه بالطبع كان مصابا بالوسواس، كمن يراه لم يكن كذلك”.
حركات مشؤومة
كان بيتهوفن يشكو باستمرار من مشاكل في أمعائه، وتكشف دفاتر محادثاته (كان يتواصل مع أصدقائه بالكتابة عندما أصيب بالصمم) ورسائله عن عدد من الإشارات إلى آلام في البطن ومغص وإسهال.
وتقدم الوجبات الغذائية التي كان يفضلها إشارات أخرى عن معاناته المرضية. ويسجل المؤرخ المهتم بالتغذية، إيفان دَي، أن غداءه المثالي يوم الأحد مكون من حساء مرق اللحم مع الفطائر، يليه طبق من لحم البقر بصلصة نبات القبار واللفت المفروم، ثم ربما فطيرة الحمام ولحم عجل مشوي وسَلَطة، وتظل وجباته الغذائية نفسها تقريبا خلال بقية أيام الأسبوع.
ويلاحظ دَي ” نحن نعرف الآن، أفضل مما كان عليه الحال مطلع القرن التاسع عشر، أن هذه الوجبات (اللحوم ) ليست جيدة لمستويات الحمض البولي (حمض اليوريك) في مجرى الدم وستنتهي بالمرء إلى المعاناة من مختلف المشاكل، مثل داء النقرس على سبيل المثال لا الحصر”.
وبوصفه متربعا على عرش الموسيقى في زمنه، بدا بتهوفن حديثا في ذوقه في المشروبات الساخنة في أيامه. فقد أحب القهوة وكان يفضلها “قوية”، وكان يحصي كل يوم 60 حبة قهوة ثم يطحنها بنفسه لإعداد قهوته، وقد نصحه أحد أطبائه بتقليل شرب القهوة بسبب تأثيرها على أمعائه.
إفراط في المشروبات الكحولية
وكان بيتهوفن مولعا أيضا بشرب المشروبات الكحولية. وتقول لورا تانبريدج مؤلفة سيرة بيتهوفن: “حياة في تسع قطع” إن أطباءه نصحوه بالتوقف عن شربها، ” الامر الذي يبدو، في الواقع، غير معتاد في مطلع القرن التاسع عشر، لأن الناس قد بدأوا للتو في التعرف على العواقب الطبية للإفراط في شرب الكحوليات وباستمرار”.
وكان أصدقاؤه قلقين أيضا من استهلاكه للنبيذ المغشوش على وجه الخصوص. ففي ذلك الزمن كانت “خلات الرصاص” تستخدم لتحسين مذاق النبيذ، ومن المرجح أن ذلك قد تسبب في امتصاص جسم بتهوفن لمواد سامة.
وقد توضح ذلك في الفحوص التي أجريت بعد وفاته على شعره والتي وجدت آثار رصاص فيه.
علاجات غير ناجحة
ولم يكن بيتهوفن في مواجهة كل هذه القضايا الصحية يتوفر على خيارات طرق علاجية مؤثرة. ويشير هنري مارش إلى أن الأطباء شخصوا حالته ببساطة بالاستناد إلى فحص البول والبراز ومظهر المريض، واستخدموا بعض الطرق العلاجية المضللة لمعالجته: كنوع من الحجامة أو استخدام ديدان العلَق التي تمتص دمائه، وبشكل خاص حول منطقة الشرج.
وقد وصف دكتور فرانك، أول دكتور عالج بيتهوفن، زيت زيتون حار لعلاج مشكلات إذنه، وهي طريقة علاجية ما زالت تستخدم حتى الوقت الحالي. وعالج طبيب آخر بتهوفن بمواد تسبب قروحا في ذراعيه وقد كان ذلك مؤلما ومنعه من العزف على البيانو.
وأرسله طبيبه المفضل دكتور شيمت إلى منتجع للعلاج بالمياه المعدنية في هايليغنشتات (الآن جزء من فينا) في عام 1802، وقد عولج هناك باستخدام ديدان العلَق التي تمتص دمه. وقد كان الأطباء يعتمدون في طرقهم العلاجية تلك على نظرية “مبدأ الأخلاط” الذي يرى أن صحة الإنسان تعتمد على التوازن بين سوائل الجسم (الأخلاط) “الصفراء والدم والبلغم”، والعلاجات ذات الصلة بذلك كالمساج، أو وضع نوع من الطحالب المستخرجة من المستنقات على المفاصل واستخدام الكمادات، وشرب الماء أو التغرغر به. وحقن السوائل في الشرج أو المهبل.
“أسأتم الحكم علي”
ومن المرجح أن هذه المشكلات الصحية التي كان يعاني منها بتهوفن قد تركت أثرها على موسيقى بيتهوفن. ويعتقد بعض الأطباء وعلماء الموسيقى أن الموسيقار غير المحظوظ كان يعاني، فوق مشاكله الصحية، من عدم انتظام في ضربات القلب، وقد انعكس التوتر الناجم عن ذلك في موسيقاه، على سبيل المثال: لحن “كافاتينا” في الرباعية الوترية رقم 13.
وتتحدث جاكلين توماس، عازفة آلة التشلو في فريق الرباعي الوتري برودسكي، عن كيفية السيطرة عن قوس التشلو للحصول على التأثير العاطفي العميق الذي يتوفر عليه لحن “نشيد الشكر المقدس” في رباعيته الوترية مصنف 132، التي كتبت قبل وفاته بعامين.
لقد تسبب المرض بمحنة لا يمكن تجاهلها لبيتهوفن. وقد كتب في رسالة إلى أشقائه “انتم أيها الرجال الذين تعتقدون أو تقولون أنني حاقد وعنيد وكاره للبشر، كم أسأتم الحكم عليّ. لم تعرفوا السبب الخفي الذي يجعلني أبدو بهذه الطريقة بالنسبة إليكم. فكّروا أنني منذ ست سنوات وأنا مبتلٍ بمرض بشكل ميئوس منه، وقد جعله أطباء حمقى يسوء عاما بعد آخر؛ وأنا مخدوع بآمال أن تتحسن صحتي، ولكن في النهاية أجبرت على مواجهة احتمال إصابتي بمرض دائم يحتاج شفاؤه إلى سنين أو ربما لا شفاء منه”.